فسألته مستغرباً :
- هل أتتكم أم مرتضى قبل ساعتين ؟
- نعم .. نعم .. و ..
- وماذا ؟
كان مضطرباً في كلامه وكأنه قد أذنب ذنباً يحاول الاعتذار منه فقال :
- بعد أن اشترت ما تريد أرادت عبور الشارع إلى الجهة الأخرى ,
فلم تكد تخطو خطوةً حتى أتت سيارة بسرعه عالية و..
- وأين هي الآن ؟
- نقلوها الى المستشفى المركزي .
- انتابني أسف وحزن عميق , واسترجعت في نفسي وقلت :لاحول
ولاقوة إلا بالله , والحمد لله رضاً بقضائه وصبرا على بلائه .
- طلبت من صاحب الدكان استخدام هاتفه فقال :
- نعم نعم , هل اتصل لك بشخص ما ؟
- أكون شاكراً لك .
أعطيته رقم الهاتف المطلوب وهو هاتف نقال لسائق إجرة تعرفت عليه مسبقا , وكثيراً ماكنت استأجره بهذه الطريقة
لغرض تنقلاتي الخاصة بالشركة , فتحدثت معه وأخبرته بالمكان المطلوب حضوره إليه , ثم تقدمت خطوات
نحو مكان الحادث فرأيت آثر دماء متفرقة لاتزال باقية هنا وهناك , وسيارة وسط الشارع بصورة غير اعتيادية
قد لطخت مقدمتها بدم مبعثر , حينها أحسست أن الحادث كان شديداً قد لا يبقي على حياتها
- بابا أين ماما لنذهب لرؤيتها .
- حسناً ياولدي سنذهب إليها عن قريب .
- بابا , بابا هذا عمو جمال .
لم ينتظر مرتضى جوابي له , وذهب مسرعاً نحو جمال بعد أن رآه قد نزل من سيارته وقبل أن يصل إليه عاد
ليمسك بيدي ويجرها نحوه وهو يقول :
- بابا هذه سيارة عمو جمال لنذهب معه .
تقدم جمال نحونا وهو يحاول إظهار تأسف وحزن مصطنع على ماحدث بعد إطلاعه على الموضوع من الأطراف فقال :
- يؤسفني ماحدث لزوجتك , أرجو أن تكون بحال حسن الآن ولا يكون الضرر كبيراً , لنذهب بسرعه
إلى المستشفى فسيارتي بخدمتك .
- أشكرك فإني قد اتصلت بسيارة لتأتي بعد قليل .
- اتركها , سيأتي ويعود وهل في ذلك شيء ؟
- نعم , فحين استأجرته يجب إعطاؤه حقه وإرضاؤه ولا يجوز الفرار من إجرته . لم تتأخر سيارة التاكسي
كثيراً فقد جاء مسرعاً وكأنه يعلم بالحادث , فركبت معه وتحرك بينما أعين جمال كانت تلاحقني بنظرات ثاقبة وأعين ساخطة ...
الفصل الثاني
نزاهة لا تطاق
كان ما يشغلني أثناء إقامة الفاتحة هو لقائي مع العالم الجليل في هذه الليله , وهل ساتمكن منه على الرغم من
أن صديقي مؤمن لم أتصل به لحد هذا الوقت , وهل سأجد الوقت لذلك , أم كيف ساترك المعزين الذين امتلأ المسجد بهم .
هكذا كانت الافكار تشغل فكري وتجرني بحبالها يميناً ويساراً , وإذ بالحاضرين يقومون وبالصلاة على محمد وآل محمد
يهتفون , ياترى مالذي حدث ؟ ! نظرات الجميع متجهة نحو باب المسجد , التفت أنا أيضاً نحوه , وإذا بالذي
كان يشغل فكري يقدم بنفسه ويطل بوجهه النوراني , نعم , إنه مع صديقي مؤمن وكأنه يتفقد أحد ويسأل عنه ,
أجل إنه يسأل عني بالتأكيد , لكن من أنا وما خطري حتى يطلبني إمام الجمعه , وهل أستحق ذلك ,
أم انه يبحث عن شخص آخر غيري ؟
استقر في مجلسه , وهدأ الحاضرون , واستأنف القارئ كلامه , فتقدمت بخطوات مرتبكة نحوه حتى وقفت أمامه .
فوجئ برؤيتي فقام معزياً لي بكلامه المذكر بالله ورحمته مشفوعاً بجمل من الدعاء لي وللطفل الذي بقي وحيداً معي ,
شكرته على تفضله وطلبت منه الجلوس مع صديقي مؤمن , فجلس وجلست عن يمينه, وأردت أن أؤكد له أنني
على وعدي في الحضور إليه على الرغم مما حدث , لكنه سبقني بالحديث مبادراً بلهجته الحوزوية المحبوبة
عندي والتي كثيراً ما لاحظتها على ألسنة طلبة العلوم الدينية فقال :
- أنا أعتذر من عدم تمكني لاستقبالكم هذه الليلة لحدوث امر طارئ يحتم علي السفر ,
ولا أظنني سأتمكن من ذلك عن قريب أو بعيد لأنكم على أبواب سفر طويل .
لا أعلم إن كان قد أتم كلامه معي أم لا , فقد جاءه وفد للسلام عليه وتجمعوا حوله فانقطع كلامنا ولم أستطع
التحدث معه مرة أخرى حتى نهض وأراد الخروج من المسجد , وكان أخر كلامه معي أن قال :
- إعلم يابني أن خير الزاد في السفر التقوى , فاسع لتحصيلها هذه الايام . ثم غادرنا وذهب لا أدري مالذي
عقد لساني عن سؤاله عن معنى أنني على أبواب سفر طويل , مع أنه حالياً ليس عندي قصد السفر إلى أي مكان ! لا أدري !
انقضت الأيام الثلاثة لمراسيم الفاتحة , وقد اختلفت فيها مع عدة أشخاص من الأقارب بشأن الاسراف والمصروفات
الزائدة عن الحاجة , والتي أفنوا وقتهم وأجهدوا أنفسهم رياءً في رياء . أنا أعلم أن أعمالهم كانت رياءً وهي
عند الميت لاتنفعه بشيء ولا تخفف عن قسوة اللحظات التي يعيشها الآن , نعم انه بحاجة إلى ركعتين خفيفتين
أو آية من القرآن بحضور قلب , أو صدقة قليلة , أو دعوة مستجابة , لكن لا أحد لديه الايمان الحقيقي بذلك .
على اية حال انقضت . ولكن لم ينقض تفكيري بكلام العالم الجليل وجمله الأخيره , فهل ياترى كان يقصد سفر الآخره ؟!
نعم , لعله كذلك وإلا فما معنى وصيته بأن خير الزاد التقوى , وهل التقوى تكون متاعاً لغير الآخرة ,
نعم إنه كان يقصد ذلك ويؤكده قوله ( فاسع لتحصيلها هذه الأيام )
يتبع ..