ب
سم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة على
أعدائهم اجمعين الى يوم الدين
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى
اولاد الحسين وعلى ابي الفضل العباس وعلى اصحاب الحسين
لما رجع ً
النبي (
صلى الله عليه وآله )من مكة إلى المدينة المنورة ، بدأت صحته تنهار يوماً بعد يوم ،
فقد أَلَمَّ به المرض ، و أصابته حُمّىً مبرحة .
وهرع المسلمون إلى عيادته ، و
قد خَيَّم عليهم الأسى و الذهول ، فازدحمت حجرته بهم ، فنعى ( صلى الله عليه وآله )
إليهم نفسه ، و أوصاهم بما يضمن لهم السعادة و النجاه قائلاً
أيُّها الناس ،
يوشك أن أُقبَضَ قَبضاً سريعاً فينطلق بي ، و قدمت إليكم القول معذرة إليكم ، أَلاَ
إني مُخَلِّفٌ فيكم كتاب الله عزَّ و جلَّ و عترتي أهل بيتي ).
ثم أخذ (
صلى
الله عليه وآله ) بيد وَصِيِّه ، و خليفته من بعده ،
الإمام علي (
عليه السلام )
قائلاً لهم
هَذا عَلِيٌّ مَعَ القُرآن ، و القُرآنُ مَعَ عَلِيٍ ، لا يفترقان
حتى يَرِدَا عَلَيَّ الحوض )
رأى (
صلى الله عليه وآله ) أن يصون أمّته من
الزيغ ، و يحميها من الفتن ، فقال (
صلى الله عليه وآله )
اِئتُوني بالكَتفِ
والدَوَاة أكتبُ لَكُم كِتاباً لَن تَضِلُّوا بَعدَهُ أَبَداً ) .
فَرَدَّ عليه
أحدهم : حسبنا كتاب الله .
واشتدَّ الخلاف بين القوم ، فطائفة حاولت تنفيذ ما
أمر به رسول الله (
صلى الله عليه وآله ) ، و طائفة أخرى أصرّت على معارضتها خوفاً
على فوات مصالحها .
و بدا صراع رهيب بين القوم ، و كادت أن تفوز الجبهة ، التي
أرادت تنفيذ ما أمر به الرسول
( صلى الله عليه وآله ) ، لكن انبرى أحدهم فَسَدَّدَ
سهماً لما رامه النبي (
صلى الله عليه وآله ) فقال : إن
النبي لَيَهجُر .
فقد
أنسَتْهم الأطماع السياسية مقام النبي (
صلى الله عليه وآله ) ، الذي زَكَّاه الله
و عَصَمَهُ من الهَجر و غيره ، مما يُنقِص الناس .
أَوَلم يسمعوا كلام الله
تعالى يُتلَى عليهم في آناء الليل و أطراف النهار ، و هو يُعلن تكامل
النبي ( صلى
الله عليه وآله ) و توازن شخصيته ، فقد قال تعالى
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَ مَا
غَوَى * وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ
شَدَيدُ القُوَى ) ، ( النجم : 2 - 5 ) .
فإن القوم ، قد وَعَوا آيات الكتاب في
حَقِّ نَبِيِّهم (
صلى الله عليه وآله ) ، و لم يُخَامرهم شَكٌّ في عِصمَتِه و
تكامل شخصيته ، لكن الأطماع السياسية دفعتهم إلى هذا الموقف الذي يَحِزُّ في نفس كل
مسلم .
وعندما َهبط جبرائيل على النبي (
صلى الله عليه و آله ) فقال له
يَا
أَحمَدْ ، إِنَّ اللهَ قَدِ اشتَاقَ إِلَيكَ ) ، فاختار
النبي (
صلى الله عليه و
آله ) جِوارَ رَبِّهِ ، فأذِن لملك الموت بقبض روحه العظيمة .
و لما علم أهل
البيت (
عليهم السلام ) أن النبي (
صلى الله عليه وآله ) سيفارقهم في هذه اللحظات
خَفّوا إلى توديعه ، فجاء السبطان
الحسن و الحسين ( عليهما السلام ) ، و ألقيا
بأنفسهما عليه ( صلى الله عليه وآله ) و هما يذرفان الدموع ، و كان النبي ( صلى
الله عليه وآله ) يُوَسِّعُهُمَا تقبيلاً .
فعندها أراد أمير المؤمنين ( عليه
السلام ) ، أن يُنَحِّيهِمَا فأبى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، و قال له
دَعْهُمَا يَتَمَتَّعَانِ مِنِّي و أَتَمَتَّعُ مِنهُمَا ، فَسَتُصِيبهُمَا بَعدِي
إِثْرَة ) .
ثم التفت ( صلى الله عليه و آله ) إلى عُوَّادِهِ فقال لهم : (قَدْ
خَلَّفْتُ فيكم كتابَ الله و عترتي أهل بيتي ، فَالمُضَيِّع لِكِتَابِ الله
كَالمُضَيِّع لِسُنَّتِي ، وَ المُضَيِّع لِسُنَّتِي كالمُضَيِّع لِعَترَتِي ،
إِنَّهُمَا لَن يَفترِقَا حَتى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ ) .
و قال لِوصيِّه ،
و باب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( ضَعْ رأسي في حِجرِكَ ،
فقد جَاءَكَ أمرُ الله ، فإِذا فاضت نَفسي فتناوَلْهَا و امسح بها وجهَك ، ثُمَّ
وَجِّهْني إلى القبلة وَتَولَّ أمرِي ، وَصَلِّ عَلَيَّ أوَّل النَّاس ، وَ لا
تُفَارِقني حتى تُوَارينِي في رمسي ، وَ استَعِنْ بِاللهِ عَزَّ وَجلَّ ) .
فأخذ
أمير المؤمنين رأس النبي ( صلى الله عليه وآله ) فوضعه في حجره ، وَ مَدَّ يَدَه
اليمنى تحت حَنَكَه ، و قد شَرعَ مَلك الموت بقبض روحه الطاهرة و الرسول ( صلى الله
عليه وآله ) يُعاني آلامَ الموتِ و شِدَّةَ الفَزَع ، حتى فاضَتْ روحُهُ الزكيَّة ،
فَمَسحَ بِهَا الإِمَامُ ( عليه السلام ) وجهه .
و وجم المسلمون ، و طاشت
أحلامهم ، و عَلاهُم الفزع و الجزع و الذعر ،
و كان أكثرُ أهل بيته ( صلى الله
عليه وآله ) لوعة ، و أشَدُّهم حزناً بضعتَهُ الطاهرة
فاطمة الزهراء ( عليها
السلام ) ، فقد وقعت على جثمانه ( صلى الله عليه وآله ) و هي تبكي أَمَرَّ البكاء و
أقْسَاه .
توَولَّى الإمام علي ( عليه السلام ) تجهيز النبي ( صلى الله
عليه وآله ) و لم يشاركه أحد فيه ، فقام ( عليه السلام ) في تغسيله ( صلى الله عليه
وآله ) ، و هو يقول
بِأَبي أنتَ و أُمِّي يا رسول الله ، طِبْتَ حَياً وَ
مَيِّتاً ) .
وبعدما فرغ ( عليه السلام ) من غُسله ( صلى الله عليه وآله )
أدَرجَهُ في أكفانه ووضعه على السرير .
وهو أوَّل من صلَّى على الجثمان
المقدّس ، و أقبل المسلمون للصلاة على جثمان نَبِيِّهم ، و أمير المؤمنين ( عليه
السلام ) واقف إلى جانب الجثمان ، و هو يقول
السَّلامُ عَليكَ أَيُّهَا النَّبي
و رحمة الله و بركاته ، اللَّهُمَّ إنا نَشهدُ أَنَّهُ : قد بَلَّغ ما أُنزِلَ
إِليه ، وَ نَصحَ لأُمَّتِه ، و جاهد في سبيل الله حتى أعزَّ اللهُ دينَه و تَمَّت
كلمتُه ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلنا مِمَّن يتبع ما أُنزِل إليه ، وثَبِّتنَا بعده ، و
اجمَعْ بيننا و بينَه ) . و كان الناس يقولون ( آمين ) .
و بعد أن فرغ المسلمون
من الصلاة على الجثمان العظيم ، و ودّعوه الوداع الأخير ، قام الإمام علي ( عليه
السلام ) فوارى الجثمان المقدّس في مثواه الأخير ، و وقف على حافة القبر ، و هو
يروي ترابه بماء عينيه ، و قال بصوت خافت حزين النبرات : ( إنَّ الصبر لَجَميل إلا
عنك ، و إنَّ الجزع لَقَبيح إلا عليك ، و إنَّ المُصابَ بك لَجَليل ، و إِنَّه
قَبلَكَ وبَعدَكَ لَجَلَل ) .
و كانت وفاته ( صلى الله عليه وآله ) في ( 28 ) من
صفر 11 هـ ، فإنَّا لله و إنّا إليه راجعون .
----- منقووووول -----